نشرت صحيفة «ناشيونال إنترست» مقالًا للكاتب السياسي دانيال دييفس، المعني بدراسات الأمن القومي والسياسة الخارجية، تحدّث فيه عما وصفها بـ«معركة إعادة بناء العراق بعد تحرير الموصل»، وسط المخاوف التي تنتاب المواطنين العراقيين النازحين؛ من وحي مقابلات أجراها «دانيال» مع سكان موصليين نازحين في مخيم خارج أربيل.
ويؤكد دانيال، الموجود حاليًا في العراق، أنّ ما يكتشفه حاليًا مزيج غريب من الأمل والحذر والخوف من المستقبل؛ فإذا لم تكن الحكومة العراقية حذرة فنهاية الحرب ضد تنظيم الدولة في الموصل قد تبشر -ببساطة- بالانتقال إلى المرحلة التالية من الصراع.
التسامح في مخيم «بحركة»
يضيف المحلل السياسي أنّه التقى بـ«ميفا أكري» مدير مخيم «بحركة»، الواقع خارج مدينة أربيل، وحكى عن نشأة المخيم وقصص عدد من سكانه الحاليين، موضحًا أن الحكومة الكردية أنشأته بشكل مؤقت لاستضافة النازحين من الموصل والمناطق المحيطة عام 2014، قبل أن يتطور ليكون بمثابة مرفق طويل الأجل، ويعيش فيه 12 ألف نازح، بينما يعيش في أنحاء إقليم كردستان بأكمله 250 ألف نازح.
يقول مدير المخيم إنّه لم تندلع فيه أيّ صراعات دينية أو طائفية على الرغم من وجود مزيج من الأديان بين شيعة وسنة ومسيحيين ويزيديين ومجموعات دينية أخرى، مثلما يحدث في أجزاء أخرى من العراق، لافتًا إلى وجود برنامج تدريب رسمي يجب أن تخضع له جميع الأسر الجديدة فور وصولها إلى المخيم؛ لتعليمهم كيفية العيش في تسامح، مضيفًا: «الحياة في المخيم لا تتعلق بالقضايا السياسية أو الدينية؛ لكن بشأن كيفية العيش في الحاضر والمستقبل»، موضحًا أنه يعمل في المخيم منذ سنتين والأمور تسير بشكل جيد.
إحباطات وتخوفات
وأوضح «دانيال» أن مدير مخيم «بحركة» أخبره بأنّ جميع سكان المخيم على دراية الآن بأن الموصل تحررت من تنظيم الدولة؛ لكنهم محبطون من الدمار الذي حلّ بمدينتهم، ووقت عودتهم إلى ديارهم ليس قريبًا؛ لكن المثير للاهتمام أنهم لا يلومون أحدًا على مصائرهم بعد تدمير مدنهم نتيجة القصف الجوي والمدفعية وضربات الطائرات دون طيار، ولا يهمهم من المسؤول عن الدمار بقدر ما يهمهم إعادة بناء منازلهم والعودة لحياتهم الطبيعية؛ وهذا هو تخوفهم الرئيس.
كما تحدث عن نازحين لا يريدون العودة قبل أن يعرفوا كيف ستدار الموصل أولا، وأنه إذا عادت بغداد كما فعلت من قبل فالناس قد يقاتلون بعضهم بعضًا، إضافة إلى قلق بشأن النزاعات التي قد تنشأ بين الأسر الذين هربوا على الفور وأولئك الذين بقوا وراءهم.
الخوف من حرب أهلية
ولفت إلى أن ساكنة مُسنّة في المخيم، رفضت ذكر اسمها خوفًا من أن يجدها تنظيم الدولة، أخبرته عن الاعتقاد الشائع بأن أولئك الذين لا يحبون التنظيم غادروا مدنهم وقراهم على الفور، في حين بقي أولئك الذين يحبونها ويدعمونها، ومضيفة أنها غادرت لقدرتها على المغادرة عندما أتيحت لها الفرصة؛ فقاطعها سؤال من آخر يقف خلفها: «لماذا بقوا هناك في رأيك؟».
ويضيف الرجل أن كثيرًا من الناس الذين هربوا تمكنوا من الهرب لأنهم لديهم مال أو سيارات أو يعرفون أحدًا يتمكّن من مساعدتهم، لكن كثيرين لم يتمكنوا من ذلك؛ فمن الظلم اتهامهم بمساعدة تنظيم الدولة لمجرد أنهم لم يتمكنوا من المغادرة، متسائلًا: «لماذا نتهمهم بمساعدة تنظيم الدولة لمجرد أنهم لم يتمكنوا من المغادرة؟»، وأوضح مدير مخيم «بحركة» أنّ هذه الآراء المتباينة والتصورات عن كيفية إدارة العراق تكشف عن أخطار من المحتمل أن يواجهها العراق بعد مرحلة تنظيم الدولة.
وختم دانيال مقاله بتأكيد مدير مخيم «بحركة» أنّ كثيرًا من الناس في المخيم يقولون إنهم يعرفون الذين دعموا تنظيم الدولة في المناطق التي يعيشون فيها، مضيفًا: «أخشى أنهم سيقودون هجمات انتقامية بعد عودتهم»، لافتًا إلى مخاوف مماثلة عبّر عنها القيادي الشيعي مقتدى الصدر.