وثق القادة في الجيش السوري الحر في صيف 2012 من أن الانتصار سيحالفهم، واستهدف انفجار قنبلة في قلب العاصمة دمشق أربعة من كبار قادة الجيش النظامي؛ من بينهم وزير الدفاع داوود راجحة، ونائبه واصف شوكت، وهو أيضًا شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، حسبما نشر موقع «الجزيرة».
وأضاف، وفق ما ترجمته «شبكة رصد»، أنّ الانفجار، الذي يعتقد أنه لمتعاطف بشدة مع قضية المعارضة، أعطى الأمل للثوار بأنّ الأمر ليس إلا مسألة وقت ليلقى الرئيس السوري بشار مصير داوود وواصف نفسه، وتعزز هذا الأمل بالنجاحات التي تحققت في ساحة المعركة؛ إذ اندمجت مجموعات من المقاتلين في مجموعات مسلحة أكثر نشاطًا، وبدأ الثوار يسيطرون على مساحات واسعة من البلد.
قال فتح حسون، المنشق عن الجيش السوري وقاد قوات الجيش الحر في حمص آن ذاك، لـ«الجزيرة»، إنه يشعر بالتفاؤل بأنّ القوات الموالية لبشار ستعجز عن الصمود أمام الانتفاضة المزدهرة، وأضاف: «كان هناك انشقاق واسع بين صفوف الضباط السوريين، خاصة في صفوف الرتب المتوسطة مثل الملازمين والعقيدين الذين شكّلا العمود الفقري للجيش السوري»، مضيفًا أنّ الجيش صار أضعف بعد تطهيره من الحكومة.
وأوضح فتح أنّ القوات السورية الحرة تركّزت في جنوب غرب البلاد في موقف يهدف إلى ردع التهديد الإسرائيلي، وحقيقة الأمر أنّ ضباطًا منشقين كانوا على دراية جيدة ويعلمون أنهم سيستخدمون لصالح الثورة بينما هم يتجازون مناطق سكانية سورية رئيسة.
غير أنّ هذه النجاحات لم تغب عن نظر حلفاء سوريا المقربين، من بينهم إيران والحزب اللبناني المسلح «حزب الله»؛ فعزز كلاهما مشاركته في الصراع، ما أدى إلى تراجع معدل تقدم الثوار، وقال فتح إنّه «بعد التدخل الإيراني وحزب الله بدأ النظام في تحقيق مكاسب على الأرض، خاصة في المناطق الوسطى من حمص وحماة».
وأضاف أنه «على الرغم من التدخل الإيراني لم يتمكّن النظام وحلفاؤه من الفوز بالحرب؛ لكنهم نجحوا في حماية العاصمة دمشق عبر حصار المعارضة والحفاظ على محيط المدينة». وقال بشار الزعبي، مسؤول في الجيش السوري الحر يقود الجبهة الجنوبية للجماعة، إنّ الجيش السوري كان يعمل فقط بربع قوته الكاملة حتى تدخل الإيرانيون.
وقال بشار لـ«الجزيرة» إنّ «في داخل الجيش السوري انهار كل شيء، وعمل بنسبة تتراوح بين 20 و25% من قوته السابقة؛ لكنّ الإيرانيين جاؤوا وأحضروا معهم حزب الله والمليشيات العراقية والأفغانية التي قامت بمعظم القتال نيابة عن الجيش السوري»، وأعرب بشار عن اعتقاده فيما مضى بأن المعارضة ستفوز بالحرب في مطلع العام 2013؛ لأن طهران لن تتدخل.
المليشيات الشيعية
حرصت إيران على ضمان ألا تُعتبر مشاركتها في النزاع السوري مباشرة. وتحقيقًا لهذه الغاية ركّزت سياستها في المقام الأول على نشر القوات في البلاد ظاهريًا كمستشارين عسكريين، فضلًا عن تدريب المليشيات الشيعية ونقلهم من جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى الدولة السورية.
وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أنّ عدد المقاتلين الشيعة الأفغان الذين يشكّلون قسم الفاطميين يصل إلى 20 ألف مقاتل، وهم يقاتلون جنبًا إلى جنب مع متطوعين آخرين من إيران نفسها وباكستان والعراق المجاور، ويحصلون على رواتب عالية نسبيًا. إضافة إلى استحضار فكرة الدفاع عن ضريح السيدة زينب في دمشق، أحد أكثر الأماكن الدينية المقدسة للمسلمين الشيعة.
لكنّ دور إيران تجاوز مجرد جمع متطوعين أجانب للمشاركة في المعركة؛ إذ أدت إيران دورًا هامًا في تدريب المليشيات السورية. وقال البروفسور «سكوت لوكاس»، من جامعة «بيرمنجهام» الأكاديمية ومؤسس موقع «إي وورلدفيو»، إنّ «الخطوة الكبرى جاءت في خريف 2012، عندما التزمت إيران ببناء مليشيات قوات الدفاع الوطني وقيادتها لتغطية الجيش السوري المتقهقر».
ومع وجود قوات في ذروتها، بلغ عددهم تسعون ألف مقاتل؛ تعدّ مليشيات الجبهة الوطنية الديمقراطية تشكيلًا شبه عسكري مؤيدًا للحكومة، ويعود إليه كل الفضل فيه في تحويل ميزان الحرب.
وبررت إيران تورطها بحجة محاربة «الجماعات التكفيرية» مثل تنظيم الدولة، لكن المليشيات التي يسيطرون عليها أو شاركوا في تدريبها شاركت بشكل مباشر في القتال ضد الثوار؛ بما في ذلك أولئك الموالون للجيش السوري الحر.
الطموحات الاقتصادية
ويرجع «سكوت» سبب إعطاء إيران أولوياتها للمليشيات الخاصة بها على الجيش السوري إلى شكّها في قيادة الجيش السوري وطموحاته الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وأضاف أنّ «القادة الإيرانيين لم يثقوا، ولا زالوا، في كفاءة الوحدات السورية العادية»، و«إيران تريد السيطرة على السياق السياسي والاقتصادي والعسكري، كما هو الحال في سيطرتها الفعلية على أجزاء من جنوب دمشق وملكيتها للأصول السورية، مثل مناجم الفوسفات».
وقال إنّ الايرانيين سيطروا بحكم الأمر الواقع على المنطقة المحيطة بمزار السيدة زينب في جنوب دمشق وكانوا يقومون بمشاريع بناء كبرى في المنطقة، وأضاف أنّ نفوذ إيران المتزايد سيكون مدعاة للقلق بين القيادة الحكومية. ولكن، نظرًا لأن بقاء الحكومة يعتمد على إيران؛ فليس محتملًا أن تتحوّل هذه المخاوف إلى احتكاك خارجي بين الحليفين.
وقال «سكوت» في حديثه لـ«الجزيرة» إنه «بطبيعة الحال، لن تعرب حكومة بشار عن قلقها إزاء النفوذ الإيراني المتوسع»، و«المشكلة أنّ الإيرانيين حصلوا على مذكرة تفاهم من النظام لأنهم حافظوا عليه في الأساس؛ لذلك سيكون من الصعب جدًا على نظام بشار الابتعاد عن إيران».