سلّطت صحيفة «ميدل إيست آي» الضوء على الأسباب التي جعلت السعودية مكروهة من أغلب البلدان العربية، وفي مقدمتها قطر، ودفعتهم بسياستها إلى أحضان قوى إقليمية أخرى كتركيا وإيران؛ مؤكّدة في مقال للمحلل السياسي «مصطفى سلامة» أنّ سياستها هذه انقلبت عليها في النهاية وجعلتها أكثر عزلة في المنطقة، كما وضعتها في صفّ الجانبين الإسرائيلي والأميركي؛ خاصة بعد إعلان ترامب بشأن القدس.
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ السعودية اعترضت صاروخًا في 19 ديسمبر، أطلقته جماعة أنصار الله الحوثيين من اليمن تجاه قصر اليمامة، المقر الرسمي للملك سلمان في الرياض، ربما كان الهجوم بمثابة ردّ صارم على فيديو رسوم متحركة من صنع السعودية يصور غزوها لإيران وتغيير النظام في طهران.
وهذا الهجوم له أهمية كبرى؛ باعتباره على مقر أعلى قيادة سياسية في المملكة. ومنذ عامين لم يكن في الحسبان إطلاق هجوم مثل هذا؛ لكنّ سياسات السعودية الإقليمية جعلت كل شيء ممكنًا وجعلها معزولة إقليميًا.
عداء تركيا
وبينما تحرص تركيا على وجود علاقات إيجابية مع السعودية على المستوى الدبلوماسي، تجاهلت المملكة اتّباع مثل هذا النهج، وبشكل خاص بعد أن وقفت تركيا بجانب قطر في الأزمة الخليجية وأرسلت قوات إلى هناك لحمايتها من أي تهديد عسكري محتمل.
لكنّ تركيا في البداية حاولت الحفاظ على مسافة متساوية من جميع الأطراف المعنية بالأزمة، وأكّدت مرارًا وتكرارًا ضرورة الحوار بين الجانبين، وقدّمت الدعم لجهود الوساطة الكويتية. ولم تُنشر قوات تركية في قطر إلا بعد تصاعد مخاوف من غزوها يلوح في الأفق؛ وهذا الأمر لم يحظ بقبول جيد من السعودية.
ولم يمض وقت طويل قبل أن يقابل صحفيٌّ سعوديٌّ على علاقة وثيقة بالطبقة الحاكمة في المملكة فتح الله جولن، الزعيم التركي الذي يعيش في المنفى، وتنظر تركيا إليه على أنه إرهابي والعقل المدبر لمحاولة الانقلاب داخلها في عام 2016، وينظر إليه على أنه عدو عام وقضيته تتعلق بالأمن القومي التركي.
كما إنّ التمثيل الدبلوماسي السعودي في قمة منظمة التعاون الإسلامي منخفض، وهو المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس رجب طيب أردوغان؛ ردًا على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو ما عَكَسَ أنّ السعودية تتخذ الجانب الأميركي الإسرائيلي في قضية القدس، ويعد الأمر خروجًا على مقتضيات التضامن الإقليمي.
وقبل يومين من انعقاد القمة، نشرت صحيفة «عكاظ» السعودية مقابلة مع رضا ألتون، وزير الخارجية التابع لحزب العمال الكردستاني الذي أعدّته تركيا منظمة إرهابية، وكان من المفترض أن تكون المقابلة مع «سيميل بايك»، رئيس الحزب؛ وهو ما كان ليحدث دون موافقة مباشرة من السلطة السياسية في السعودية.
وتُحمّل تركيا حزب العمال الكردستاني مسؤولية قتل مدنيين وأفراد أمن، كما هو الحال مع جولن، وتعتبر الحالة مسألة أمن وطني، وتهدف المقابلة بالتأكيد إلى إرسال رسالة، كما لو أن السعودية «تريد جر شكل تركيا».
وتركيا، مثل إيران، قوة إقليمية. وكون السعودية على خلاف معهما؛ فهذا أمر يعزلها إقليميًا إلى حد كبير.
كما دفع النهج السعودي المتطرف تجاه قطر الدوحة إلى البحث عن مؤيدين إقليميين أقويا؛ فاتّجهت إلى إيران وتركيا؛ وهو أمر طبيعي للغاية. وكذلك فعلت الكويت، التي توتّرت علاقتها مع إيران وطردت سفيرها في منتصف عام 2017 الجاري، وعزّزت من علاقتها مع تركيا، بما فيها التعاون العسكري.
ومن المؤكّد أنّ الأمير الكويتي، الذي حضر بنفسه مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، يزعج السياسة السعودية؛ وهو ما يفسّر سبب اقترابه السريع لتركيا.
وعلى الجانب الآخر، هناك سلطنة عمان، الدولة الخليجية المتمتّعة بعلاقات أفضل نسبيًا مع دولة إيران، وقد لا تشعر بالحلة نفسها من التسارع نحو تعزيز العلاقات مع تركيا؛ لكنها ستسعى إلى حماية نفسها من السعودية، كما ذكر دبلوماسي عماني من قبل.
وكانت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، المجبر عليها من الرياض، سببًا كافيًا لتثور النخبة السياسية اللبنانية والجماهير ضد السعودية بطريقة لم يسبق لها مثيل في علاقات البلدين.
كما اعتقلت السعودية الملياردير الأردني صبيح المصري ضمن «تحقيقات فساد»؛ للضغط على الأردن بقبول إعلان ترامب عن القدس.
ويقع المسجد الأقصى، ثالث أقدس مكان في الإسلام، تحت سلطة ملك الأردن؛ عبر الاتفاقات السابقة. وتشكّل مصدرًا قليلًا جدًا للشرعية السياسية للمملكة الهاشمية، وهذا ما يفسّر سبب حضور الملك الأردني قمة منظمة المؤتمر الإسلامي بالرغم من تعرّض ضغوط كبرى لمقاطعته.
ومن المؤكّد أنّ الأردن سيتحرك بعيدًا عن السعودية ويقترب من تركيا؛ ومن المرجح أن يتقرّب إلى إيران أيضًا.
هزيمة السياسات السعودية
ما تفعله السعودية لا يدفع الدول الصغرى تجاه تركيا وإيران فقط؛ بل يقوّض صورتها في العالم العربي وفي رأيه العام. وإلى جانب ذلك، مساهمتها في الوضع الإنساني الكارثي المستمر في اليمن؛ ما يعزز من ازدرائها في العالم العربي.
وفي الأسبوع الماضي، أثناء مباراة لكرة القدم في الجزائر، وُصف الرئيس ترامب والملك سلمان بأنهما «وجهان لعملة واحدة» بشأن مسألة القدس. وأثناء المظاهرات في غزة ضد إعلان ترامب، أطلق المتظاهرون الفلسطينيون النار على صور ترامب والملك سلمان وابنه ولي العهد، وأحيطت إيران علمًا بذلك، ووصف نائب قائد الحرس الثوري الإيراني ما حدث بأنه «هزيمة للسياسات السعودية».
وعلى الجانب الآخر، تعرف إيران جيدًا أنّ الوقت ليس مناسبًا لإرسال رسائل إلى السعودية عن طريق استهداف الرياض عبر الحوثيين؛ لكنّ ولي العهد رأى أنّ إطلاق الصاروخ سيجلب الحرب إلى طهران.
وتواجه السعودية بالفعل أزمة محلية، وبجانب ذلك سيتعين عليها أن تتعامل مع مشكلة أخرى، تتمثّل في انعدام الشعور بالأمن؛ إذ يمكن أن تنفجر الصواريخ مرة أخرى فوق الرياض، وفشلت سياساتها الإقليمية فشلًا فاضحًا، وتركتها معزولة إلى حد كبير؛ وإذا ما استمرت في الاتجاه نفسه ستصبح أكثر عزلة.